ذوق الروح
……..
ذوق الروح يختلف تماما عن ذوق الجسم والحواس , فالجسم يذوق العسل بلمس العسل للسان , بينما الروح تذوق العسل بمجرد سماع اسمه وتصوره في عالم الخيال ,
حتى وان لم يكن الآنسان قد تذوق العسل أو راه قبل ذلك فانه بمجرد نطق كلمة العسل للوهلة الأولي فان الروح تستحضر مذاقا معينا واحساسا روحانيا خاصا بكلمة العسل وتستمع به استمتاعا يفوق استمتاع تذوق اللسان ,
والتذوق الروحي نعمة عظيمة أنعم الله بها علي ذاتي منذ النشأة..
وأذكر أني كنت إذا سمعت لفظ الجنة وأنا طفل حديث السن أشعر بوقع لها علي روحي .. وقع عجيب جميل لا علاقة له بالمعني ..وإنما جرس الكلمة وما تلقيه في النفس .. كذلك كان يحدث لي هذا من سماع ألفاظ مثل سندس واستبرق خضر ..وعبقري حسان .. الارائك .. فاكهة ونخل ورمان .. عينان نضاختان
كانت تلك الكلمات بما فيها من جرس موسيقي تلقي فى نفسي جلالة وحالة قدسية وطرب روحى ..وحتى بعد أن طالعت كتب التفسير وأقوال المفسرين .. وجدت ان تلك الحالة الروحانية المبهمة كانت أعظم وارقي بكثير مما يقوله جميع المفسرين .. وادركت عظمة النبي عندما ترك القرءان بلا تفسير .. وأن أقصي ما يفعله المفسرون هو تحديد المعنى اللغوى للكلمات وربطها باسباب للنزول وهو اجتهاد منهم يستحقون عليه الشكر والثناء وهو المطلوب لعامة البشر .,
لأنه ليس لكل الارواح القدرة علي هذا التذوق بل إن الأكثر والأعم لا يعرفون إلا ما يتلقونه عن طريق حواسهم الظاهرة .. وهنا كان دور المفسرين والمجتهدين وأصحاب اللغة والاعراب دورا هاما واجبا ليوضحوا للناس ما يشعرون أنه عسير علي فهمهم لاختلاف الزمن ولغة العصر ..
ولكن كلمات الله في الحقيقة اعمق من لك بكثير فكلمة الله لا تحد ولا تقيد بمعنى محدود .. لأنك إن حصرت الآية في تفسير واحد وأجزمت بأن لا معني لها سوي ذلك التفسير .. فتكون كمن رأي جوهرة تشع بريقا وألوأنا من جهات مختلفة فألقي عليها ملاءة من قماش يلفها ويسترها بها .. ومن فضل الله أنه لا يوجد مفسر ادعي أن تفسيره هو الصواب الوحيد وجعل الفهم حكرا عليه ..
إن للكلمة الالهية بمجرد سماعها وقع على الروح يلقي فيها معانى وخواطر واحاسيس اروع بكثير مما تطالعه في كتاب أو تقرأه في تفسير ..
إن مباشرة الروح لكلمة الله وهي بكر لم تمس بأقأويل بشر شيئ آخر تماما .. شيئ مختلف عن مسألة العلم والمعلومات .. إن الرضيع وهو ملتصق بصدر أمه يكون في أسعد حالاته .. إنه لا يتلقي علم ولا معلومات .. هو يتلقي شيئ يخصه هو .. شيئ ذاتي شديد الخصوصية .. الحنان .. الأمان .. أنفاس أمه .. الرضيع هنا لا علاقة له بالكون وما فيه من أحداث ..
( إنني أنا الله لا اله الا أنا فاعبدني .).
( والقيت عليك محبة منى ,)
أريدك أن تقف هنا تحت هذا التنزيل
لتكن أنت المقصود ..
بل فعلا أنت المقصود ..
أنت وربك ..
لا داعي أن أحجبك بموسي ..
بل لتكن أنت موسي
إن عظمة القرءان أنه يخاطب جميع البشر من خلال حديثه مع الآنبياء
إن للتفاسير وقت وللتذوق وقت
وعند العارفين هو كتاب فصلت اياته لا يحتاج لتفسير
وقيل ياارض ابلعي ..
ما زالت الأرض تبلع .. تبلع الموتي . وتبلع المطر , وتبلع الخطر ,
وياسماء اقلعي
وما زالت السماء قلعة حصينه لا ينفذ أحد من اقطارها الا بسلطان وما زالت تقلع عن كل ما يهلك الأرض , فالآنفجارات في النجوم تحدث كل وقت ولكنها تقلع بعيدا فلا تصيب الارض ..
يمكننى أن أملأ لك كتبا عن الطوفان وعن الارض وهي تبلع سيوله والسماء وهو تقطع مطره وعن نوح وعن سفينته
ولكن المنطوق الالهي يشيرإلى ما هو ابعد من ذلك
(رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره )
أي جلال وأي مهابة تلقيها تلك الكلمات
فسرها الكثيرون وأعربها الكثيرون , واجتهد في بيان معناها الكثيرون
ولكن تبقي كلمة الله كالطائر الذي يحلق لأعلي دائما ولا يستطيع أحد اللحاق به مهما حاول .. فإن كلمة الله هي العليا ..
…………………………………………………………………………………………………………………………….
ابو النور ( كتاب الساجد تحت العرش)